دفتر أحوال مسرح العرائس

- فنانون وأكاديميون يرصدون المشاكل والصعوبات ويحددون روشتة الإنقاذ- يعاني نقص العاملين وغياب التأهيل ويحتاج خطة تطوير عاجلة- العروض تقتصر على القاهرة بعد فشل إنشاء مسرح عرائس الإسكندرية

كتب: أحمد علي.

'الليلة الكبيرة'.. حالة فنية مبهرة، جذبت إليها أجيالاً من الأطفال.. والكبار أيضاً، الكثير من العيون والعقول كانت معلقة بعرائس هذا العرض المسرحي.. الذي كان يمثل حالةَ تعبيرٍ وتعميقٍ للثقافة المصرية داخل الوطن.. وفي مختلف الدول العربية.

النجاحات الرائعة لمسرح العرائس المصري.. التي تحققت على أيدي جيل من الرواد، تدفعنا للبحث في دفتر أحوال الواقع الحالي لهذا الفن الذي يُفترض أن نُعول عليه في حماية أطفالنا من أي تأثيرات مُحتملة للغزو الثقافي.

عاد في الآونة الأخيرة مسرح العرائس المصري.. بشقيه القومي والخاص، بعد فترة ركود، ليستعد بخطوات تدريجية نحو ريادة فنون الطفل وغرس قيم ومباديء المجتمع بداخله، ووضَع الجميع نصب أعينهم العروض المسرحية التي تركت بصمتها في العديد من الأجيال، ومن أشهرها 'الليلة الكبيرة' الذي ما زال يُعرض إلى الآن على المسارح المصرية والعربية، منذ الجيل المصري الأول وأبرزهم 'صلاح السقا' و'رفعت الشربيني' و'عم عنتر'.. وصولاً إلى الأجيال الحالية.

القائمون على أمر مسرح العرائس، والمهتمون بأحواله، يدركون أن مهمته في هذا العصر مليئة بالصعاب، في ظل منافسة شرسة مع الغزو الثقافي الأجنبي لمواقع الويب وتطبيقات الألعاب على الأجهزة المحمولة والفضائيات، وغيرها من وسائل التسلية والترفيه التي تؤثر على ثقافة الطفل وسيكولوجيته واهتماماته، حيث تُعتبر سلاحاً ذو حدين، وغالباً ما تلعب دوراً ضاراً.

لذا أردنا الاقتراب أكثر من التجربة للتعرف على ما حققته تلك العودة، وطبيعة المعوقات التي تواجه عودة مسرح العرائس إلى رونقه مجدداً.

مشاكل العرائس

يقول محمد الشافعي، مدير عام دار مسرح القاهرة للعرائس، إن مسرح العرائس أكثر صعوبةً من المسرح البشري، لأن الممثل البشري يستطيع أن ينقل كل أحاسيسه للجمهور بسهولة، أما فنان العرائس عليه أن يترجم أحاسيسه ليقوم بإظهارها بطل المسرحية المتمثل في العروسة، وتكون المهمة أصعب عندما يكون الجمهور هو الأطفال، الذين يحتاجون لمزيد من المهارة والمجهود، فقد يستمر العمل على إخراج العرض المسرحي لأكثر من شهرين من التدريب، وإعداد الإسكربيت والموسيقي والألوان والإضاءة، وميكانيزم العرائس وتصميم أزياء لها بما يناسب العرض.

نقص العنصر البشري

أوضح 'الشافعي' أن المسرح يعاني من قلة العنصر البشري بداخله من فناني العرائس، وعدم ضخ دماء جديدة تستقي الخبرةَ من الجيل الموجود حالياً حتى يستمر النشاط ويتطور، كما أنه يعاني من عدم الانتشار خارج العاصمة، فهناك تجربة لم يُكتب لها النجاح لافتتاح مسرح العرائس بالإسكندرية، حيث صدر قرار منذ ست سنوات من رئيس البيت الفني للمسرح آنذاك الفنان فتوح أحمد، بتعيين الفنانة تهاني فتحي مديراً لشعبة مسرح العرائس بالإسكندرية، وبدأت التجربة على مسرح السلام الصغير، وقامت بتكوين فرقة شباب وبنات من الإسكندرية، واستعانت بفريق من شعبة القاهرة، لتعليمهم في ورش تدريبية، ولكن للأسف باءت التجربة بالفشل بعد صدور قرار بإزالة مسرح السلام وعرض أرضه للبيع، على الرغم من الحاجة الماسة لتحقيق هذا الحلم، وذلك في ظل منافسة فرق مسرحية خاصة غير مُراقبة من وزارة الثقافة، فضلاً عن أن التجربة كانت ستفتح الباب لهدم المركزية في إتاحة هذا النوع من الفنون المقتصر علي العاصمة، في ظل غيابه في باقي المحافظات، خاصةً النائية منها، كما كانت هناك محاولة لتنفيذ فكرة مسرح العرائس المائي، لكنها باءت أيضاً بالفشل لعدم تبنِّي الوزارة للفكرة.

وأشار 'الشافعي' إلى أن الوزارة استجابت لفكرةٍ طرحها.. متمثلة في إنشاء 'كارنيه' سنوي يحمل اسم 'المسرح المصري لكل مصر' لجذب الجمهور للمسارح القومية التابعة للبيت الفني للمسرح، وتكون تكلفة الدخول للفرد البالغ 12عاماً فأكثر اثنين وخمسين جنيهاً سنوياً، وبالنسبة للطفل أقل من 12 عاماً اثنين وعشرين جنيهاً، ويكون لحامل الكارنيه الحق في حضور كل العروض التي تقدمها مسارح الدولة، وله الحق أن يحضر العرض الواحد ثلاث مرات على ثلاثة مسارح مختلفة، وعلى الرغم من ذلك يرى الشافعي ضرورة رفع مستوى العروض التي تقدمها تلك المسارح حتى يعود الإقبال عليها كما كان في الماضي.

محاربة العبث الثقافي

طالب 'الشافعي' أن يتم تعميم فكرة 'الكارنيه' لدخول الهيئات التابعة لوزارة الثقافة، فضلاً عن المتاحف، لضمان نشر الثقافة لدى جميع فئات المجتمع، إن كانت هناك نية جادة لإنقاذ المجتمع والمراهقين والشباب من العبث الثقافي والأمراض الاجتماعية التي نعاني منها، وأيضاً لمكافحة التطرف والإرهاب، مناشداً الرئيس عبد الفتاح السيسي أن يقود بنفسه مشروعاً ثقافياً قومياً للدولة.. بخطوات متوازنة وبعيدة المدى، وأن يسير على خُطي الراحل عبد الناصر في هذا الشأن.

عنصر الخيال

أكد شكري عبد الباري، مخرج مسرح القاهرة للعرائس، أن هناك إقبالاً كبيراً من المدارس على العروض، بفضل التنسيق الموجود بين المسرح ووزارة التربية والتعليم، لتخصيص عروض صباحية للمدارس، وتخفيض أسعار التذاكر لهم بشكل خاص، حيث كان المسرح يخصص على الأقل عرضين صباحيين في الأسبوع للمدارس، وما يقرب من 15 عرضاً شهرياً، أما العروض المسائية المتاحة للجمهور فكان مخصص لها يومي الخميس والجمعة في موسم الصيف، وتكون مستمرة بصورة يومية في الشتاء ما عدا الثلاثاء.

وتابع 'عبد الباري' أن أهم ما يميز مسرح العرائس عن المسرح البشري هو عنصر الخيال، فالممثل البشري لديه إمكانيات جسدية لا يستطيع أن يخرج عنها، أما العروسة من خلال الميكانيزم تستطيع أن تقوم بحركات خيالية، تحتوي على عنصر المبالغة.. كَمَدّ الأيدي وجحوظ العينين المبالغ فيه؛ بغرض لفت الانتباه وإثارة الكوميديا وترسيخ المعنى.

هواة وغير مؤهلين

أوضح 'عبد الباري' أن مسرح العرائس يواجه مشكلةً كبيرة، تتمثل في عدم وجود جهة أكاديمية في مصر لتعليم فن مسرح العرائس بشكل متخصص، وجاري المناقشة حالياً حول إنشاء شعبة لمسرح العرائس داخل المعهد العالي للفنون المسرحية التابع لأكاديمية الفنون، وما يجري من الستينيات حتى الآن من جهود في هذا الصدد.. مقتصر على نشر إعلانات في الجرائد ووسائل الإعلام المرئية والمسموعة.. عند فتح الباب لاستقبال جيل جديد يتم تدريبهم علي يد الجيل القديم، لنقل الخبرات وتعيينهم في المسرح.

وأضاف 'عبد الباري' أن هناك قصوراً من وزارة الثقافة في نشر النشاط في المحافظات النائية؛ فيقتصر النشاط حالياً على مسرح القاهرة للعرائس والمسرح القومي للأطفال، ولكن أليس من حق الأطفال في باقي المحافظات تلقي أنواع الفنون التي يتلقاها طفل العاصمة، فوزارة الثقافة هي وزارة لمصر وليست وزارة للقاهرة.

وعن الجمهور الذي تستهدفه العروض قال 'عبد الباري' إنها تستهدف الأطفال من سن سنتين وحتى ثماني سنوات، وهي مرحلة خطيرة في بناء الشخصية، وهامة لغرس القيم والمبادئ، فالعروسة تقوم بتمثيل المباديء والقيم أمام الطفل، بدلاً من صعوبة تقبلها بأسلوب التوجيه المباشر، وأدركت دول مثل الصين ورومانيا وروسيا وفرنسا.. خطورة وأهمية هذا الفن من منتصف القرن الماضي، وشدة تأثيره على الطفل، فعملت على تطويره، وأصبحت رائدةً فيه، بحيث لا تسمح هذه الدول أن يقوم مخرج أو مؤلف بالعمل في هذا المجال إلا بعد تأهيله ودراسته لسيكولوجية الطفل، لافتاً إلى أنه ترجم نصوصاً عالمية، وجرى تنفيذها على مسرح القاهرة؛ مثل 'أليس في بلاد العجائب، وسندريلا، وبحيرة البجع' التي أخرجها بنفسه.

صمود العرائس

أكد 'عبد الباري' أن التكنولوجيا الحديثة لم تستطع أن تأخذ مكان العروسة لدى الطفل، ومما يدل على ذلك؛ الإقبال الشديد على مسرح العرائس، وتعلُّق الأطفال به، وهو ما تثبته الأرقام، لافتاً إلى أن دولاً مثل تونس والمغرب تتقدما حالياً الدول العربية في هذا الفن، نظراً لشدة اهتمامهما به، وإرسال البعثات للخارج لتعلمه، متمنياً أن تعود مصر للريادة مجدداً في هذا الفن.

مشاركة ذوي القدرات الخاصة

المسرح ليس بعيداً عن عمليات دمج ذوي القدرات الخاصة في المجتمع، فقد أصبح من المعتاد أن يشاركوا في تقديم العروض المسرحية.

يقول محسن عمر، مخرج مسرحي لعروض ذوي القدرات الخاصة، باحث ثقافي في البيت الفني للمسرح، إنه اتضح له على مدار مسيرته على مسرح الجمهورية، خاصةً خلال تولِّيه قيادة مدارس الأورمان لذوي القدرات الخاصة لمدة اثني عشرعاماً، أن هؤلاء الأطفال قادرون بأنفسهم، وبدون مساعدة من المدربين.. على التمثيل والتسجيل الإذاعي والغناء الأوركسترالي للأوركسترا الشرقي، وأن إتاحة ذلك لهم ليست مِنة، لأن من حقهم أن يعبروا عن أنفسهم، وقد نجحوا في تقديم العديد من العروض المسرحية في عدة أماكن، منها مسرح قصر النيل، ودار الأوبرا، والجامعة الأمريكية.

تجارب غير سوية

يرى 'عمر' أن مشكلة فن العرائس في الوقت الراهن، تتمثل في تبني القنوات الفضائية واحتضانها لتجارب غير سوية، مثل 'أبلة فهيتة'، وتساءل عن أسباب إنفاق هذه التكاليف الباهظة من أجل عروض لا يتوافق محتواها مع ما يجب غرسه من قيم في الطفل المصري، معرباً عن تطلعه لإعادة نظر الجهات المعنية في ما يحدث على الساحة.