بقلم: محمد أبوالمجد
كاتب صحفي
صديقان سأحدثكم عنهما.. هما يستحقان كتاباً لا مقالاً.. لا أعتبرهما من ذوي الاحتياجات الخاصة؛ لأنهما يتمتعان ببصيرة مضيئة، ويتفوقان على الكثيرين ممن يتمتعون بحدة البصر، أثق بأن الله أفاء على 'محمد' و'محمود' بنور البصيرة وهو أقوى وأبقى وأنقى.
محمد شعراوي.. محاسب، ومدرب كمبيوتر، ومحلل مالي.. وناشط في مجال ذوي القدرات الخاصة.. يسعى لتأسيس أول نقابة تهتم بشئونهم.. له آراء سديدة في معظم المشكلات التي تعاني منها مصر.. وأطلق العديد من المبادرات التي لو وَجدت من يهتم بها وينفذها لكان لنا شأن غير ما هو واقع.. في السياحة والاقتصاد عامة.
صديقي شعراوي ولد كأي طفل عادي، بدون أية مشاكل صحية.. إلا أن بداية عام 2009، كانت بمثابة حياة جديدة بالنسبة له، بعدما فقد بصره بسبب مرض السكر.. ومن ثَمَّ فقد الأمل في العمل والحياة، إلا أنه قرر الخروج إلى العالم، ومساعدة الآخرين بما تعلمه، يقول: 'في 2009 بدأت أعطي كورسات كمبيوتر في إحدى الجمعيات الخيرية'، وفي نفس العام تحدث إليه صاحب إحدى الشركات، الذي كان يعمل معه قبل فقدان بصره، وطلب منه العمل معه مرة أخرى.
'خلال سنة من الشغل في الشركة أصبحتُ مدير الحسابات في الشركة ودلوقتي بقدم كورسات في المحاسبة والكمبيوتر للمكفوفين والمبصرين'، تلك الجملة التي عبر بها 'الشعراوي' عن سعادته وأحلامه التي انطلق في تحقيقها.
لم تتوقف حياة 'الشعراوي' على التقدم في العمل فقط، إلا أنه كوَّن أسرة، حين تزوج من فتاةٍ كفيفة، أصيبت بفقدان البصر منذ أن كانت في المرحلة الابتدائية..
وعن النقابة التي ينشدها يقول: 'النقابة هدفها حقوق 15 مليون مواطن، 20 ألفا منهم أصبحوا أعضاء في النقابة عبر كارنيهات لاستخدامها في إشهار النقابة كأمل كبير يتمناه الجميع رغم كل المعوقات التي تعترضنا، إلا أن هذا الأمر لا يجب أن يكون معولًا لهدم كافة هذه الجهود الكبيرة التي تم ممارستها طوال السنوات الماضية، الوصول إلى قانون 2018، الذي كفل عديداً من المميزات يجعل الأمر ليس بعيداً خاصة مع إعلان الرئيس عبد الفتاح السيسي اهتمامه الكبير بذوي الإعاقة'.
صديقي الشاب، الصحفي المبدع، محمود أحمد، الذي فقد بصره منذ الصغر، ورغم ذلك، فقد جسَّد نموذجاً في التحدي والإصرار على تحقيق حلمه، ورغم قواعد عدم قبول المكفوفين بكليات الإعلام، أصبح محمود قائداً لفريق مشروع التخرج بقسم الإعلام بكلية الآداب جامعة حلوان.. ثم تخرج بتفوق.
بدأ محمود أحمد قصته قائلاً' أحلم منذ الصغر بدخول كلية الإعلام، منذ الصف الخامس الابتدائي، ذاكرتُ واجتهدتُ لألتحق بكلية الإعلام، لكن الحلم أصبح شبه مستحيل، حيث فقدت بصري في الصف الثاني الإعدادي، وتدهور المستوى الدراسي حتى وصلت إلى الثانوية العامة'.
بعد انتهاء مرحلة الثانوية العامة، واقترابه من تحقيق حلمه بدراسة الإعلام، وقع شرط عدم قبول ذوي الاحتياجات الخاصة والمكفوفين بكليات الإعلام عليه كالصاعقة: 'لم تكتمل فرحتي بوجود قسم الإعلام بكلية الآداب لأنه لا يقبل ذوي الاحتياجات الخاصة، ومع بداية فتح باب الكليات لجميع الطلاب كنت أواجه صعوبات عديدة لعدم مقدرتي على الالتحاق بالقسم الذي أسعى إليه منذ وقت طويل'.
'من هنا بدأت رحلة المعاناة بعد عدم قبولي بقسم الإعلام جامعة حلوان، فتوجهت إلى مكتب وزير التعليم العالي لأعرض عليه مشكلتي، وبالفعل قابلته بسهولة وساعدني بإعطائي الموافقة لتمكنني من الالتحاق بكلية الآداب قسم الإعلام جامعة حلوان، ثم توجهت إلى الجامعة لأقدم جواب الموافقة لرئيس الجامعة وعميد الكلية وتم قبولي من ضمن طلاب القسم'.
'بعد سماعي لعبارة تم قبولك بالقسم، فرحت فرحة عارمة وكأنني لم أعلم معنى السعادة الحقيقية، وبعد بداية الدراسة والانتهاء من الفرقة الأولى اتجهتُ للتدريب في بوابة الجمهورية بقسم التحقيقات، ثم تدربت في الأخبار المسائي ولُقبت بـ'صحفي العصر'، وكان لي عمود خاص لكتابة المقال، وترشحت في 'الأخبار برايل' للمكفوفين، وتدربت في مطار القاهرة الدولي، في مجال العلاقات العامة لأنني كنت أنوي التخصص بشعبة 'العلاقات العامة'، لكن القدر أراد شيئاً آخر وتخصصت بشعبة الصحافة'
'مازال حلمي كبيراً، ويزيد إصراري كل يوم عما قبله، ولم أكتفِ بما حققتُ على المستوى الصحفي، وتدربت في مجال الإذاعة، وعملت في الإعداد بشبكة قنوات فضائية، وبالرغم من حبي للعلاقات العامة إلا أن أساتذتي بالكلية شجعوني على العمل الصحفي'.
في حفل التخرج، دعاني محمود، وفي كلمتي اقترحتُ حملة شاملة على مستوى مصر، للتوعية بقضايا ذوي الاحتياجات الخاصة، وكيفية التعامل معهم بالصورة المثلى، والعمل على إتاحة مرافق الدولة من أجلهم، مثل الأسانسير الناطق، والأرصفة، ووسائل النقل الجماعي، والطرق والكباري، ومراكز تقديم الخدمات... إلخ.
والآن وقد انتهى عام ذوي القدرات الخاصة، فهل نشهد خطوات إيجابية من أجل هذه الشريحة المهمة، والتي يتجاوز عدد أعضائها الملايين العشرة؟!