أسرار صنايعية فوانيس بني سويف

- ‘محمود’ يستعين بالصاج والزجاج ليهزم الفانوس الصيني - ‘نورا’ تتحدى ضمور العضلات وتنتج أصغر فانوس ‘هاند ميد’

كتبت: ندا عادل و إسراء محمد .

قبل مئات السنين.. اخترع المصريون 'الفانوس'، ليكون ركناً مهماً من أركان الاحتفال بشهر رمضان، يزينون به شوارعهم.. وبيوتهم، ليضيء قلوبهم بفرحة الشهر الفضيل.

الفانوس بالنسبة للمصريين.. أغنية ينشدها الأطفال والكبار احتفاءً بالشهر الكريم، ولوحة جميلة تزين جدار المحبة لأفضل شهور السنة، وهدية لتبادل رسائل الود بين المحبين.

الفانوس بالنسبة للمصريين.. فن وثقافة، وصنعة أيضاً، لها أسرار وخبايا، وصنايعية أبطال، وحكايات معجونة ببركة شهر الكرامات.

شراء الفانوس أصبح عادةً عند المصريين، بينما صناعته تحتاج تحديثاً وتطويراً مستمراً، خاصةً مع ذيوع وانتشار الفانوس الصيني، الذي وضع المنتج المصري في مأزق لعدة سنوات، لكن مهارة أولاد البلد من الصنايعية أعادت للمنتج المحلي هيبته، وتميزه بتصميماته الخاصة التي تمنحه الأفضلية في مواجهة أي فانوس مستورد.

صناعة فوانيس رمضان صنعة تحتضنها أحياء شهيرة فى غالبية المدن المصرية.. وتتصدرها بالطبع العاصمة، إلا أن تلك الصناعة لم يُسلط عليها الضوء بالقدر الكافي في عدد من المحافظات، خاصة الصعيد، لذا أخترنا أن تكون جولتُنا مع هذه الصنعة في محافظة بني سويف.

فوانيس الصاج والزجاج

محمود عبدالكريم

محمود عبدالكريم

محمود عبد الكريم، مالك إحدى ورش صناعة الفوانيس في أرض المحلج ببني سويف، نموذجاً من صناع الفانوس المصري بالمحافظة، قال لنا إنه بدأ صناعة الفوانيس كهواية، وعبر وقت قصير أصبحت مهنته المفضلة، مضيفاً أنه يمتلك ماكينةً اشتراها بمبلغ قدره 100 ألف جنيهٍ تقريباً، وتُمكنه من صناعة الفوانيس، والإطارات الخاصةالبالصور، والحروف العربية والإنجليزية، وأشكال شخصيات كارتونية.. وغيرها من الأشكال التي تزين الفوانيس، لافتاً إلى أن هذه الأشكال تُصنع أحياناً لأغراض أخرى غير الفوانيس.

وأوضح أن أنوعاً عديدة من الأخشاب تُستخدم في صناعة الفوانيس؛ أبرزها الإكريليك، مؤكداً أنه ينتج أعداداً محدودة من الفوانيس وفقاً للطلب، مشيراً إلى أن الشباب المقبل على الزواج هم أكثر المقبلين على شرائها، حيث يشترطون بعض الأمور؛ كوضع صورة معينة على الفانوس أو كتابة اسم شخص عليه.

وكشف عبد الكريم أن الفانوس المصنوع من الصاج والزجاج هو المنافس الأول للفانوس المستورد، حيث تستطيع أن تغطي أرباحه تكاليف العام كله بالنسبة لمن يعملون في صناعة الفوانيس فقط، على عكس الأنواع الأخرى التي قد لا تغطي أرباحُها وقتاً طويلاً من العام، لأنه مصنوع من مواد منخفضة التكلفة، والمتمثلة في بقايا الصفيح والزجاج الذي تم استخدامه.

ويرى عبد الكريم أن الفانوس المصري أفضل بكثير من الفانوس الصيني المستورد، مشيراً إلى أن صناعة المصريين له تدعو للفخر وتضفي عليه قيمةً كبيرة، مضيفاً أنه لا توجد مقارنة بين الفانوس المصري والمستورد، لأن مصر تنفرد بصناعة الفانوس بالشكل التقليدي وبخامات متعددة، على عكس المستورد الذي يكون عبارة عن لعبة بلاستيكية موضوع بداخلها أضواء وأغانٍ لا علاقة لها برمضان.

ولفت عبد الكريم إلى أنه يرغب في فتح أسواق جديدة لصناعته خارج بني سويف، حيث يتمنى عرض منتجاته في مختلف المحافظات، ولكن لم يستطع بسبب عدم توافر الوقت والعمالة الكافية والعدد الكافي من الماكينات، فضلاً عن أن إنتاج الماكينة اليومي بطيء للغاية.

تحدي فوانيس نورا

نورا يحيى، حالة خاصة بين العاملين بمهنة صناعة الفوانيس ببني سويف، فهي تمثل عنواناً للإرادة والعزيمة؛ فبالرغم من إصابتها بضمور في العضلات وهشاشة في العظام إلا أن ذلك لم يمنعها من العمل.

'نورا' خريجة كلية التجارة جامعة بني سويف، بدأت العمل في صناعة الفوانيس في السنة الثانية خلال دراستها بالكلية، حيث تعرفت على العديد من الفتيات من هواة صناعة الإكسسوارات والفوانيس من الخرز، فتعلمت على أيديهن الحرفة.

وأوضحت أنها بدأت في صناعة بعض الأشكال اليدوية البسيطة.. حتى أتقنت الحرفة سريعاً، وذلك على الرغم من الإصابة التي تعاني منها، والتي أدت إلى عدم قدرتها على الجلوس فترة طويلة، ولذلك فإنها تشغل وقت فراغها من خلال الاستلقاء على ظهرها فترة طويلة لتصنع فانوساً واحداً، ونجحت في أن تخلق لنفسها سوقاً لشراء فوانيسها اليدوية، حيث كانت تُسوق لمنتجاتها عبر الإنترنت، وفي بعض المحال ببني سويف.

'نورا' تنفذ الكثير من الأشكال والأحجام المختلفة من الفوانيس.. حسب الطلب، وقالت إن الألوان مثل الأحمر والأزرق والأخضر والأبيض من أكثر الألوان التي تجذب الأطفال، مضيفة ً أن هناك أحجاماً مختلفة للفوانيس، فيبدأ طولها من 25 سنتيمتر إلى الطول الذي يحدده المشترى حسب رغبته، لافتةً إلى أن بعض الفوانيس مزودة بجهاز صغير يصدر منه صوت وضوء يجذب انتباه الناس إليه، منوهةً إلى أن أسعار الفوانيس تبدأ من 13 جنيهاً بالنسبة لأصغر حجم وتصل إلى 250 جنيهاً لأكبر حجم.

وترى 'نورا' أن الفانوس المصري رغم إمكانياته البسيطة مقارنةً بالفانوس الصيني، إلا أنه قادر على التحمل والبقاء لعدة سنوات، بل إنه الآن ينافسه بشدة، وذلك بسبب ألوانه الزاهية وروحه البسيطة التي تعكس الثقافة المصرية الأصيلة، بالإضافة إلى أن العديد من الفوانيس اليدوية أصبح بها أجهزة تصدر أصواتاً قادرة على جذب انتباه الأطفال، مشيرةً إلى أن الفانوس المصري قادر على إثبات حضوره في الأسواق على مر العصور.