اعترافات الديكتاتور العاشق

- هتلر يبكي على قبر حبيبته - موسوليني يختار الموت مع عشيقته- ستالين كتب على قبر زوجته ‘ماتت معها مشاعري’

كتبت: فاطمة فتحي.

'هتلر.. موسوليني.. ستالين' ثلاثة نماذج تتصدر صفحات التاريخ الحديث باعتبارها نماذج للديكتاتورية، وتنحصر سيرتهم ما بين التسلُّط والطغيان، والتحكم في مصائر الأمم.

لكن علماء الصحة النفسية لديهم تاريخ آخر لهذه الشخصيات، يدون تفاصيل سيرتهم الذاتية مع الحب والحرب، تاريخ يفسر علاقة 'هتلر وموسوليني وستالين' بالشعر والموسيقى، وسر انغماسهم في الحب والعشق.. والبكاء على قبور حبيباتهم.

نعرف أن الحديث عن الجانب الرومانسي في حياة الديكتاتور مغامرة محفوفة بالجدل، لكننا نخوضها متسلحين بالرغبة في توثيق تاريخ مُرضٍ يحتاج استيعابُه لطرح نماذج من لحم ودم عاشت حالة 'الحب والحرب' معاً.

الجانب المظلم

'كلُّنا كالقمر.. له جانب مظلم'، عبارة قالها 'هتلر'، والواقع أن هناك طريقتان لفهمها؛ الأولى أن يكون لكل منا جانبٌ سيء لا يعرفه الكثيرون فيظهر للغالبية جانبه المثالي المضيء فقط، والثانية أن يكون لنا جانبنا المجهول الذي لا يعرفه أحد، سواءً حمل هذا الجانب جميلَ الصفات أو قبيحَها. وفي حديثنا عن 'هتلر' سنستعير المعنى الثاني، الرجل الذي أباد ما يقارب الـ18 مليوناً من اليهود والألمان والسوفيت خلال 'الهولوكوست' فقط، وفق أرقامٍ نشرها متحف الهولوكوست التذكاري الأمريكي عبر موقعه الإلكتروني، فضلاً عن ملايينَ قُتلت خلال عمليات الإبادة والاضطهاد النازيَّين.

الواقعُ أن 'هتلر' لم يُولد نازياً ولا ديكتاتوراً، وإنما مارس الفن والحب قبل أن يمارس الديكتاتوريةَ والقتل، وبالتوازي معهما، حيث يروي 'هتلر' عن نفسه، في كتابه 'كفاحي'، حبَّه للرسم في طفولته، وإصراره على الالتحاق بمعهد الفنون الجميلة رغم معارضة والديه، حتى إنه سافر إلى فيينا، بعد وفاة والدته التي أنفق على علاجها آخر ما ورثه عن أبيه من مال، وهناك كان يُعد رسوماً صغيرة بألوان مائية؛ يرسمها على بطاقات البريد، ثم يبيعها ليؤمِّن معيشته، وكان ينفق ماله القليل في سبيل متعة قراءة كتابٍ أو حضور حفل موسيقي، يقول هتلر: 'لقد كان الجوع الزميل الذي يلازمني ويشاطرني في كل شيء، فإذا اشريتُ كتاباً وقف الجوعُ بِبَابي يوماً كاملاً، وإذا حضرتُ حفلةً موسيقية أو شاهدت مسرحية، لازَمَني الجوع يومين'.

هتلر يبكي أمام قبر محبوبته!

وعن الحب في حياة هتلر، يروي البروفيسور والمؤرخ 'لويس ل. سنيدر '، أحد الذين رأوا اجتماعات النازيين وعاصروا الأحداث الهتلرية، في كتابه 'الهتلرية.. القبضة الحديدية في ألمانيا' أن هتلر أحبَّ ابنة أخته غير الشقيقة، وكانت تُدعى 'أنجيلا روبال' أو 'جيلي' وهو الاسم المختصر الذي عُرفت به أنجيلا للتدليل، فقد كانت شديدة الجاذبية وذات جمال آري أشقر من ذلك النوع الذي يهيم به هتلر شغفاً، لكنَّ 'جيلي' أحبت الغناء فمنعها هتلر من ممارسته ووصفه بالخلاعة بل ومنعها من محادثة الشبان والرجال، وقد خضعت طيلة حياتها لأوامره الصارمة مخافة الضرب والحبس داخل الشقة التي كانت تعيش فيها هي وأمها مع هتلر لفترة طويلة، ولكن في مرحلةٍ ما، ضاق صدرُ 'جيلي' بأفعال هتلر، فعادت إلى بيتٍ في 'بيرتشسجادن' (بلدة تقع بالقرب من الحدود النمساوية)، كانت تقيم فيه مع أمها قبل الانتقال للعيش معه، لتُوجَد هناك مقتولةً برصاصة في صدرها اخترقت قلبها، وكانت تبلغ من العمر وقتها 23 عاماً، وقد تعددت الروايات حول ملابسات مقتلها؛ فترددت شائعاتٌ تقول بأن 'هتلر' تسبب في أزمة نفسية لها دفعتها للانتحار، وثانية تقول بأنه أمر بقتلها، وثالثة تتحدث عن تعمُّد النازيين قتلها خوفاً من تحويلها لهتلر عن مساره السياسي.

جيلي روبال

صورة جيلي روبال

والحقيقة أن الرواية الأولى هي الأكثر تماشياً مع السمات النفسية لشخصية 'هتلر'؛ حيث يرى الدكتور 'هاني أحمد' مدير مستشفى الصحة النفسية ببني سويف، أن الشخصية الهتلرية تعد من الشخصيات الاضطهادية أو 'البارانويد'؛ وهي شخصية لها مجموعة من السمات؛ منها أنها تشك في كل الناس وتتوقع منهم الخيانة والأذى، وهي على استعداد للتحول إلى شخصية عدوانية في أي لحظة لأنها تُضمر مشاعر الكراهية للآخرين، وبالتالي تكون حياتُها الزوجية وعلاقاتها مضطربة، لذلك فمن المرجح أن تكون غِيرةُ 'هتلر' هي التي أودت بحياة 'جيلي'، مضيفا أنه بصرف النظر عن السبب الحقيقي لموتها، فقد سجل التاريخ مشهداً لذلك الديكتاتور وهو يَبكيها بحرارةٍ أياماً طويلة، ويركع زارفًاً الدموع أمام قبرها حتى ظنَّ أصحابُه بأنه سيُقدِم على الانتحار.

ايفا براون

صورة إيفا براون

لم تتوقف قصص الحب في حياة 'هتلر' عند 'جيلي'، فقبْل موتِه بساعات قرر الزواج من 'إيفا براون'، المرأة التي قيل إنها أحبت 'هتلر' في السر، ودسَّت له جواباً غرامياً في جيبه دفعه لدعوتها إلى منتجعه الجبلي، لتصبح بعدها عشيقته، وتدخل بيته رسمياً في عام 1936م، وقد ظلت بجواره حتى تزوَّجت منه بزفاف رسمي صغير في إبريل من العام 1945م، وكان عُمره وقتها 63 عاماً وعمرها 33عاماً، وبعد أقل من أربعين ساعة من زواجهما..انتحرا معاً!

كلارا

صورة كلارا

موسوليني

صورة موسوليني

كلارا.. رفيقة موسوليني حياةً وموتاً

رغم أن هتلر وحزبه النازي كان لا يحب الظهور أمام العامة بصحبة النساء؛ على اعتبار أن دورَها لا يتعدى تربية الأبناء والتدبير المنزلي، ورغم أن 'بينيتو أندريا موسوليني' أحد زعماء إيطاليا ومؤسسي الحركة الفاشية الإيطالية، كان أحد أهم حلفاء هتلر، وشاركَه في شنَّ حملاتٍ قوية ضد اليهود في إيطاليا؛ فمنع الزواج منهم وأبعدهم عن الحكومة والتعليم والوظائف، إلا أن 'موسوليني' إضافةً إلى أنه كان مؤلفاً يكتب الروايات الرومانسية كرواية “عشيقة الكاردينال”، قد اختلف مع النازيين في نظرتهم للنساء، وكان حريصاً على استكمال الصورة الكاريزمية له كقائد من خلال ظهور امرأةٍ إلى جانبه تُزيد من جاذبيته أمام الكاميرات، فاتخذ من 'كلارا بيتاتشي' عشيقةً له، وظلت إلى جانبه حتى تعرض للهزيمة في الحرب العالمية الثانية، وعندما وقع في قبضة المحاربين الإيطاليين عام 1945م، اختار أن يُعدم معها، لتُعلق جثتيهما متجاورتين ومقلوبتين رأساً على عَقِب في مدينة ميلانو الإيطالية، وقد جرى التمثيل بهما، وذلك حسب ما جاء في كتاب 'أطلس الحربين العالميتين: الأرض والحرب والسلام' للكاتب عصام عبد الفتاح.

كلارا وموسوليني وقد علقت جثتهما مقلوبةا

صورة كلارا وموسوليني وقد علقت جثتهما مقلوبة

ستالين.. رجل الشعر والحب والحرب

روايةٌ ثالثة من روايات الحب القاتل، بطلها 'جوزيف فيساريونوفيتش ستالين'، القائد الثاني للاتحاد السوفييتي بعد 'فلاديمير لينين'، وقد حكم من منتصف عشرينيات القرن الماضي وحتى وفاته عام 1953م، ورغم أنه أسس الاتحاد السوفيتي وجعل منه قوة عالمية كبرى، إلا أنه قاد عمليات قمع جماعي وتطهير عرقي، وترحيل، وإعدام لمئات الآلاف، ومجاعاتٍ أودت بحياة ملايين.

لكن مما يجهله الكثيرون عن 'ستالين'، أنه بدأ كتابة الشعر وهو في سن العاشرة، وقد تطورت موهبتُه لاحقاً، وفي سن السادسة عشر، حصل على منحة دراسية في المدرسة الأرثوذكسية بـ'تفليس' عاصمة جورجيا، وقد كان ستالين جاداً في دراسته، وفي أوقات فراغه كان يكتب الشعر الجورجي، ثم بدأ بقراءة الكتب والروايات المحظورة، بما في ذلك روايات 'فيكتور هوغو' والكتبُ الثورية، وقد انكشف أمره وتمت معاقبته عدَّةَ مرات.

وعن علاقته بالنساء، يروي 'فرج جبران' في كتابه الذي حمل اسم 'ستالين'، أنه عرف في حياته أربعةً من النساء، لكنَّ واحدةً منهن لم تحظَ بما حظيَت به زوجتُه الثانية 'نادزدا' من حبٍّ واهتمام، وكانت ابنةُ أحد زملائه الذين قاموا معه بالثورة الاشتراكية الأولى عام 1917م، وقد تزوجت منه في عام 1919م، وانتهت حياتُها بموتٍ فجائي غامض وهي في الحادية والثلاثين من عمرها.

وقد تعددت الرواياتُ حول وفاتها، كما حدث مع 'جيلي' حبيبة هتلر، بين من قال إنها أُصيبت بالتهابٍ حاد في الزائدة الدودية، ومن قال إنها ماتت بالسم بعد أن تناولت طعاماً كان قد أُعدَّ لزوجها.. وقد كان حُزن ستالين عليها كبيراً؛ منحَها على إثره كلَّ مظاهر التكريم؛ فأمر-رغم عدائه الشديد للدين- بالصلاة على جثمانها في الكنيسة ودفنِها في دير 'العذراء'، ووضع رخامة على قبرها كَتب عليها 'لقد ماتت.. وماتت معها آخرُ مشاعري للجنس البشري'! وبعد وفاتها، اعتزل ستالين العالم وعاش منفردًا في قصر الكرملين. ولم يعرف زوجتَه الثالثة إلا بعد مرور 16 عاماً على وفاة حبيبته 'نادزدا'، ورغم ذلك لم يثبت في كتب التاريخ أن امرأةً قد حظيت بحب 'ستالين' كما فعلت 'نادزدا'..

ستالين ونادزدا

صورة ستالين و نادزدا

ولتحليل سلوك تلك الشخصيات نفسياً، أوضح الدكتور محمد فتحي الحلاج، أخصائي الطب النفسي بمصحة النيل للصحة النفسية وعلاج الإدمان بالمعادي، أن جمع شخصيات مثل هتلر وموسوليني وستالين بين حياتي الحب والحرب معاً لا يعني أنها تعاني تناقضاً أو شيزوفرينيا، كما يظن الكثيرون، بل إنها تعاني نوعاً من اضطرابات الشخصية يسمى بالفصام الوجداني؛ ومن أعراضه التقلبات المزاحية والتحول من حالة الحزن إلى الفرح، ومن الشخصية الحنون المحبة إلى الشخصية الديكتاتورية وأحياناً القاتلة..

وبصرف النظر عن التحليل النفسي لتلك الشخصيات، يبقى أنها تعكس حالةً فريدة وغريبة، وتؤكد حقيقةَ أنَّ لكل إنسان جانبان، أحدهما مضيء والآخر مظلم، لكنَّ التاريخ يذكر لهؤلاء فقط جانبَهم المظلم الدامي، الظاهر في مواقفهم العامة وأفعالهم اللاإنسانية، وفسر ذلك الدكتور خالد مكرم مدرس التاريخ الحديث بكلية الآداب جامعة بني سويف، بأنَّ الكتابات التاريخية لم تقدم معلوماتٍ كافية عن حياتهم أوعلاقاتهم الشخصية، بل إن المعلومات في هذا الصدد تكاد تكون نادرة، وذلك رغم تعدد المراجع التاريخية التي تناولتهم كديكتاتورياتٍ أبادت ملايين من البشر.

هتلر برفقة 'إيفا براون'