نار الأسعار تحرق أدوات إسعاد المكفوفين

كرة الهدف ثمنها 2500 جنيه والآلة الكاتبة سعرها 20 ألف جنيهٍ - الاتحادات الرياضية لا تشتري مستلزمات أصحاب البصيرة وتستعيرها من الدول المنظمة للبطولات - الجمعيات الخيرية تواجه صعوبات في جمع تبرعات أجهزة القراءة ولا تستطيع صيانتها

كتب: إسراء محمد وفاطمة فتحي وندا عادل.

في مصر.. ملايين فقدوا نعمة البصر، لكنهم لم يفقدوا الرغبة في الحياة.. والاستمتاع بأوقاتهم، يتمسكون بالأمل في الحصول على الفرحة.. عبر قراءة كتابٍ ممتع أو ممارسةِ لعبة رياضية..

لكنَّ المشكلة أن أدوات إسعاد المكفوفين رغم بساطتها إلا أنها مكلفة جداً، ويصعب على الأسر غير الميسورة توفيرُها، والمشكلة الأكبر أن الجمعيات الخيرية والاتحادات الرياضية المتخصصة عاجزة عن توفيرها، خاصةً في محافظات الصعيد.

أسباب ارتفاع سعر مستلزمات فاقدي البصر.. كثيرة، رصدناها عبر استطلاعنا لآراء مسئولين في الاتحادات الرياضية للمكفوفين، وقيادات جمعيات خيرية تهتم بأحوال هذه الفئة من ذوي القدرات، والجميع يؤكد أن الأسباب تتراوح بين نظرة المستثمرين والتجار لمستقبل صناعة هذه الأدوات، والأهم هو نظرة المجتمع لأصحاب البصيرة باعتبارهم فئة زاهدة في الحياة.. لا تملك القدرة أو الرغبة الشرائية، لذا تظل مستلزماتهم في خانة السلع المرتفعة أسعارها نظراً لقلة المعروض.. والاعتماد على الاستيراد.

آلة بركليز

صورة آلة بركليز

الأبجدية الانجليزية بطريقة برايل

صورة الأبجدية الانجليزية بطريقة برايل

الأبجدية العربية بطريقة برايل

صورة الابجدية العربية بطريقة برايل

حاولنا تسليط الضوء على هذه المشكلة، لنضع المجتمع أمام مسئولياته في حماية حق هذه الفئة في حياة كريمة.. تتوافر فيها أدوات القراءة التي تمكنهم من المعرفة، وأدوات الرياضة التي تمكنهم من تحقيق حلم البطولة، والأهم أن يشعروا بأنهم يعيشون في مجتمع يُقدر حقوقهم ورغباتهم وطموحاتهم التي لا يجب أن تظل حبيسة الظلام.

صعيد المكفوفين

تقول أميرة محمد، طالبة بالفرقة الثالثة في كلية الآداب جامعة بني سويف، إن محافظة بني سويف لا تتوفر فيها أماكن لبيع الأدوات التي يحتاجها المكفوفون، ولا يوجد بها سوى مكان واحد لبيع الأدوات التي يستخدمها ذوو الإعاقات الحركية، ولذلك فهم مضطرون للسفر إلى القاهرة لشرائها بأسعار مرتفعة، وهي المشكلة الثانية الخاصة بتلك الأدوات؛ فمثلاً الآلة الكاتبة قد يبلغ سعرها 20 ألف جنيهٍ، ومن ثم يتجنبون شراء العديد منها، وتكون فقط متاحة لهم داخل مقار المراكز والجميعات الخيرية التي تحصل عليها كتبرعات من عدة جهات.. مثل وزارة الشباب والرياضة، ويعد الطلاب أكثر الفئات التي تحتاج لتلك الأدوات.

اميرة محمد

صورة أميرة محمد

ومن جانبه، يشير 'أشرف حمدي'، صاحب إحدى المكتبات التي تبيع أدوات المكفوفين في منطقة الفجَّالة، أن هناك ندرة في الأماكن التي تتيح تلك الأدوات، كما أن هناك صعوبة في الحصول عليها وأحياناً يتأخر وصولُها، وحتى معهد النور للمكفوفين لم يعد يوفرها كما كان في السابق، وهناك محاولات حالياً لتوفير بعضِها عبر التعامل مع أفراد يقومون بتصنيع البسيط منها، أو من خلال شرائها من شركات تستوردها من الخارج، وفي جميع الحالات فإن أسعارها تبقى مرتفعة حتى بالنسبة للأدوات البسيطة التي يصنعها الأفراد محلياً، وذلك نظراً لارتفاع أسعار قطع الغيار المستخدَمة في تصنيعها، وهي مشكلة تواجه التجار والمستهلكين معاً، وذلك في ظل وجود حاجة ماسة لاستخدام المكفوفين لعدد من تلك الأدوات كأقلام الكتابة، والأجهزة الناطقة لقياس ضغط الدم، والأبيكاس، وهو أداة يستخدمها الكفيف في إجراء العمليات الحسابية، وغيرها من الأدوات.

وفي سياق متصل، أوضحت 'أسماء حسن'، مسئول شئون المكفوفين بفرع جمعية رسالة في محافظة بني سويف، أنَّ هناك أدوات بسيطة يستخدمها أي كفيف، وأخرى أسعارها مرتفعة بشكل كبير ولا يلجأ إليها المكفوفون إلا في حالات الضرورة، وجميعها غير متوفرة في المحافظة.. ولا حتى في الصعيد بشكل عام، مشيرةً إلى أن الجمعية تحاول شراء بعض الأدوات البسيطة من القاهرة؛ كالعصا البيضاء، وعدد من الأدوات المُستخدمة في الكتابة كالمكتبة واللوح البرايل.. بنوعيها الخشب والبلاستيك، وإتاحتها للبيع في مقر الجمعية بالمحافظة، تسهيلاً على المكفوفين وأسرهم حتى لا يضطروا للسفر إلى القاهرة، وبالتالي تجنبيهم تحمل المزيد من تكلفة شرائها، مضيفةً أن هناك عدد من الأفراد احتكروا -لفترة طويلة- تصنيع وبيع تلك الأدوات البسيطة.. إلى أن تمكَّن غيرُهم من معرفة طريقة تصنيعها، فقامت الجمعية بشرائها منهم وتوفيرها في مقرها.

صناعة خاسرة

على مستوى الأدوات والآلات مرتفعة الثمن، التي توفرها الجمعيات والمراكز للمكفوفين، تقول 'أسماء' إن ارتفاع أسعار تلك الأدوات والآلات كالطابعة البرايل إيفرست، والآلة البركليز المُستخدمتان في الطباعة البرايل، جعل الكثير من المكفوفين عاجزين عن شرائها، فلا يوجد جهة، لا حكومية ولا خاصة، تقوم بتصنيعها في مصر، وإنما تقوم بعض الشركات باستيرادها من دول مثل ألمانيا والسويد، مشيرةً إلى أن الجميعة تواجه مشكلتين فيما يتعلق بتلك الفئة من الآلات والأدوات؛ الأولى أن أهالي المحافظة لا تتوفر لديهم ثقافة التبرع للمكفوفين، وبالتالي فإنهم يحتاجون إلى فترة قد تصل إلى عام حتى يتم تجميع المبلغ المطلوب لشراء إحداها، والثانية صعوبة صيانتها لأن توفير قطع غيارها يستغرق أكثر من ثلاثة أشهر بسبب الإجراءات الجمركية، وذلك رغم أن الطلبة المكفوفين المترددين على الجمعية يعتمدون عليها في دراستهم، وبالتالي يمثل تأخرُها مشكلةً كبيرة لهم.

صورة جهاز ضغط الدم الناطق

صورة قلم الكتابة

طابعة برايل ايفرست

وفي هذا الصدد، يؤكد 'سيد سعد'، مدير شئون المعاقين بديوان عام محافظة بني سويف، أن المحافظة تخلو من أي مصانع لأدوات المكفوفين؛ وذلك لأن تكلفة تصنيعها مرتفعة بالمقارنة بالأعداد التي ستُقبل على شرائها، وهو ما يعني خسارة لأي مستثمر، مشيراً أن هناك مصنعاً واحداً تابعاً لمؤسسة 'نهضة بني سويف' في مدينة بني سويف الجديدة، يخدم ذوي الإعاقات الحركية من خلال توفير الأطراف الصناعية لهم.

سيد سعيد

صورة أ.سيد سعيد

مشكلة الأدوات الرياضية

يقول 'محمد شعبان'، طالب بالفرقة الرابعة فى كلية الآداب جامعة بني سويف، إن المحافظة لا توفر أماكن وأندية كافية للمكفوفين لممارسة الرياضة، باستثناء نادي وحيد يتيح لذوي القدرات الخاصة ممارسة الرياضة، وحتى في حال رغبتهم في ممارستها، فإنهم لا يجدون أماكن أو مكتبات لبيع الأدوات الرياضية، ولذلك فإنهم يضطرون للسفر إلى القاهرة لشرائها بأسعار مرتفعة، فمثلاً قد يصل سعر كرة الهدف أو الجرس إلى 2500 جنيه.

ومن جانبه أوضح 'هاني الطيب'، المدير الفني بالاتحاد المصري لرياضات المكفوفين، أنَّ الاتحاد يعاني نقصًا في الأدوات التي يستخدمها المكفوفون في بعض الألعاب الرياضية، لارتفاع أسعارها، فعلى سبيل المثال قد تصل أسعار أدوات لعبة رفع الأثقال إلى ما يقارب المليون جنيه، ويبلغ سعر الزي الذي يرتديه لاعب الجودو 6 آلاف جنيه تقريباً، وهو ما دفع الاتحاد إلى إستعارتها من دول أخرى خلال مشاركته في بعض البطولات العالمية.

هاني الطيب

صورة أ.هاني الطيب